صالح بن محمّد الزّمِام
نــــــــوادر من التاريــخ
الجزء الثاني
من وعى التاريخ في سره
أضاف أعماراً إلى عمره
الشافعي
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثانٍِ
الطبعة السادسة 1424 هـ
مقدمـة
_____
أحمد وأصلي على خير خلق الله نبينا وحبيبنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه .
أما بعد ..
نبدأ بأولى صفحات هذه النسخة ..
__ 7 ________ نوادر من التاريخ الجزء الثاني _
سقطة الوليد ولكن لها سعيد
ذكر بعض الرواة ، أراد الوليد بن عبد الملك أن يحج ، وفكر أن تسبقه إلى مكة قبة ضخمة يطوف بها حـــول الكعبة ويكون معه من أحب من خاصته وأهل بيتـــــه،
وفعلاًًًًَََ ً أمر أن تحمل القبة على الإبل من الشـــــــــام ،
ووجهها مع القائد بالقبة ونصبها في مصلى النــــــبـي
( صلى الله عليه وسلم ) ، ففزع الناس من ذلـــــــــك
واجتمعوا ودار بينهم حديث طويل وسألوا : إلى مـن
نفزع في هذا ؟ ثم انتهوا إلى أن يأتوا إلى سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وكان عالمـــــا ً
ورعا ً شجاعاً .
يقول رحمه الله : فجاءني الناس وعلمت بالخبر فأمرتهم
أن يحرقوها بالنار فقالوا لا نطيق ذلك ، فمعها ألـــــــف فارس من الشام ، فدعوت بمولى لي وقلت له : علـــــيَّ
بدرعي ، فجاءني بدرعٍ جدّي عبد الرحمن بن عــــوف
الـتي شهد بها بدراً، وركبت بغلتي وذهبت حيث توجــد
القبة وما تخلف عني يومئذ قرشي ولا انصاري حتــــى
أتيت القبة وقلت ك عليًّ بالنار ، فأحرقتها . وبلغ الخبـر
الوليد وارسل إليًّ يقول ولِّ القضاء رجلا ً واقدم علينـا،
ففعلت دون خوف أو رهبة ، ذهبت إلى الشام ومكثـــت بباب الخليفة شهراً لا يؤذن لي بالدخول حتى نفــــــدت نفقتي وأضرَّ بي طول المقام ، قال رحمــــــه الله :وذات عشية وانا في المسجد جاء فتى سكران ، فقلت من هذا؟
قالـوا : خاله أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، فقلـت
على الفور : عليَّ بالســـوط ، وقمت أضرب الســكران
في المسجد ثمانين جلدة مع علمي التام بأن خاله الخليفة
الذي أنتظر لقاءه ، وما إن انتهيت من إقامــة الحد عليه
حتى ركبت بغلتي ومضيت راجعا ًإالى المديـــــــــــنة .
أما الفتى السكران فقد أدخلوه على خاله أمير المؤمنين،
فقــال والدهشة تعلوه : من الذي فعل به ما فعل ؟ قيل:
قاضيك على المدينة يا أمير المؤمنين سعيد بن إبراهيم.
فقال بغضب : علي به . ولحقوا بسعيد على الطريــق وارجعوه حتى دخل على الخليفة بثبات العالم وقـــوة
المؤمن. قال الخليفة بصوت هادئ : يا أبا اسحــــــاق
ماذا فعلت بابن أختي ؟ قال سعيد: يا أمير المؤمــنــين
إنك وليتنا القضاء فرأيت حقاً ضائعاً، سكران يطوف
بالمسجد فيه الوفود ووجوه الناس ، فكرهت أن يرجع
الناس عنك بتعطيل الحدود فأقمت عليه الحد؛ فأخــــذ
الخليفة بيده ودعا له خيراً وأمر بمال ، ولم يذكر لــه
أمر إحراق القبة التي من أجلها دعاه .
أقـــــول :
أرضى الله بسخط السلطان فرضي عنه وارضى عنه السلطان . نسأل الله أ يجعل الخلف مثل هؤلاء السلف .
والوليد فيه جبروت وعنف ولكن يصعب التصديق بأن
تصل به الامور لمــــــــــــــثـل هـــذا الأمــــــــــــر .